الاثنين، 19 أغسطس 2013

السّاعة الدّائريّة.. و خلود زيد !



بغرفة زيد ساعة حائطّيّة معطّلة. تلقيه كلّ مرّة قطعا من التشتّت عند عتبات الهرولة .. كان عازما على إصلاحها، لكنّه عاد عن ذلك.. هو لم يفكّر مطلقا في التّخلّص منها و ابتياع واحدة مستثناة من قدر التّوقف المربك..و هي منذ اضطرب نبضها  صارت مشاكسته الوحيدة و زمنة المذبذب.. يهواها بقدر دحرجتها إيّاه على صفحات البعثرة.. تمتعه الفوضى الّتي تصفعه بها كلّما أردف نظرَهُ يترقّب أصابعها الماثلة للشّلل.. فجأة قرّرت أنفاسها الانسحاب من ملاحقة الأعداد في دائرة مغلقة على نفسها، كأنّها اهتدت أخيرا إلى إدراك أنّ الزّمن ثابت و وحدها من تركض خلفه في طيش لمحاكاة استعصائه.. تساءل زيد و أسهب في إبداء دهشته: - " كيف يعقل أن تكتسب هذه السّاعة وعيا من دوراتها العبثيّة المستنسخة من بعضها البعض في حين أنّها فُطرت على الدّوران الشّارد عن علّته!..  يعاود تأمل انتفاضة الدّائرة الفارّة من زمن الملاحقة الاعتباطيّة في إعجاب.. يتسمّر تفكيره على محيطها المكابر في شكله  الدّائريّ .. يحاول الإفلات من منفذ ما.. من كفر ما.. فدائرة مسمطة من سذاجة التّكرار الدّوريّ حتما لا تعترف بقوانين الحساب و لا مسلّماته الّتي تبقيها طوع الانقياد.. كأنّها من غير قصد ابتلعت الأرقام و صارت امتدادا للحظة بيضاء لا تأبه لأيّ تعداد تنتمي، يحضنها زيد بقوّة كأنّه يرغب في الفرار إليها و الغور داخلها.. كأنّه يحتمي بها من تواطؤ القيود الوقتـيّة الزّاحفة إلى ملامحه.. كان يسطو على قدرتها في لؤم مصطبغ بالمسكنة..يحدّثها بصوت لا يسمعه غيره؛ - كنتِ مذِ ابتعتك دائرة تغري بالكثير، و أٌقصى ما توقّعت بلوغه معك: التّورّط في حيلة زمنيّة، لكنّك كنت الأكثر سخاء من كلّ التّوقّعات! .. لم يكن زيد مالكا عاديّا لساعة عاديّة.. لم تكن السّاعة أداة سحريّة خارقة تحقّق رغبات مستحيلة.. لكنّها برعت و زيدا في إتقان تقمّصات الرّفض في مطارداتهما مبدأ السّكون المتشعّب في مجار حركيّة في ظاهرها .. يناظر زيد ساعته المستيقظة من دوّامة سباتها.. يقتلع منها جدل السّكون.. يرصّ فمه ببعض الرّغبة.. يلبس دائرتها المغلقة على نفسها ثمّ يفتحها على نفسه.. يختلس من قرصها الزّمن بتفاصيله من ؛ ثوان و دقائق و ساعات و أيّام و أسابيع و فصول و سنوات و عقود و قرون .. يبتلع الأمد هاجسا هاجسا .. يتأمّل أطرافه و هي تعظم رويدا رويدا.. ينتشي في صراخ الفرحة .. " إنّها تضاريس الخلود  .. إنّها تضاريس الخلود.. تطفو على سطح عمري " .. يتمدّد هيكله أكثر فأكثر.. يخرق محيط الدّائرة .. يحطّم وجهها الزّجاجيّ المصلوب على لحظة توقّفها..  تسقط السّاعة الدّائرية .. و يعلو خلود زيد.


 بقلم .. رقــيّة شاوش  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق