الجمعة، 15 فبراير 2013

سوابق طفولية






عندما كنت طفلة صغيرة ... كان يبدو لي العالم صغيرا جدا ... وعلى حسب مقاسه الضيّق كنت أحلم بأشياء بسيطة لكنّها لم تكن تتحقّق فكنت أنساها بسرعة كبيرة ... وأداوي تماطلها بابتسامات لا عقل لها .. لم يكن لي قبلا مشكلة في التعبير لأنّي كنت أستعمل وسائل أخرى غير لساني تساعدني بشكل ممتاز كقلم الرّصاص والطباشير حيث كنت أضبط صورة لنفسي بكامل تفاصيلها الدّقيقة دون ان أتحدّ ث  على أبواب الجيران وعلى الجذر وحتّى على الأرض فلم يسلم من مشاكساتي الطفولية  أيّ بيت مررت به ... فكانت كلّ رسماتي تحمل بعضا من  ملامح وجهي  الباطن كدلالة على انّي موجودة أو كأنّي أقول افسح أيها المستقبل طريقك امامي فأنا قادمة من خلف أكمام الصّمت ...أنا أعترف أنّي كنت زعيمة كلّ الأطفال الذين يسكنون حيّنا .. وأني كنت تلميذة كسولة جدا لا انجز الواجبات المدرسيّة إلاّ بمضض وقد ضربت عدّة مرات لاجل تمرين رياضي لم أعرف حلّه ... كنت أجهل كيف تضيق بي جدران المدرسة وأنا طموحي الوحيد اللّعب وفقط وكأنّي أهرب من أشياء تلاحقني منذ طفولتي ... ويوما بعد يوم ينضج الجميع من حولي ويكبرون وتصير لهم هموم ومشاكل إلا أنا لم اكبر لم تتغيّر خريطة عقلي بعد وكأنّ طفولتي لا تريد ان تغادرني بسرعة فكنت امضي وقتي مع الدّمى أحرّكها كيفما أشاء ... أصفّف شعرها الأصفر الطّويل .. وألبسها أجمل اللّباس .. وحين املّ منها جميعا أعبث بأوراقي ودفاتري لأرسم عليها وألوّن وكأني أكتب نفسي دون أن أقول شيئا ... كان من الصّعب جدا أن اتجاوز مرحلة الطّفولة بابتسامة عريضة أو منديلا ألوّح به من بعيد ... مودّعة زمنا لن يرجع أبدا وطفلة لم تنضج بعد كان كلّ شيء بالنّسبة لي مختلفا لأنّي كبرت ولا زلت أحمل طفولتي معي ... وكلّما شعرت بالحزن او الألم انتفضت من بين جوانحي ذكرياتي مسرعة وكأنّها تسبق دموعي بخطوة أو خطوتين لتمنعها من ان تسيل وتمنحني جرعات كبيرة من أفكار ومشاكسات  مضت .. كي تقول لي أنّي كنت طفلة سعيدة جدا .... أشاكس الحياة بمرح فمن بدأ طفولته بهذا الشّكل يستمرّ مبتسما رغم كلّ شيء يعترض طريقة ألا يكفي أنّ الحياة منحتنا زمنا من الطّفولة نعيشه من غير أحزان وأخطاء ألسنا محظوظين بهذا المنح وهذا العطاء ....؟ كيف نستمرّ في تدمير ما ينتظرنا إذن ... لذلك اجد نفسي من غير أنتصب على مراجيح الحدائق كسنبلة بريّة لأجلس عليها واتدحرج كطفلة كبيرة تريد ان تستوفي كامل حقوقها المهدورة في اللعب .... لم اكن انا من تتدحرج بل أفكاري التي لا تريد ان تنام لا تريد ان تعبث بالرمل والتراب حتى تنسى ... المشكلة الآن أنّي لا أستطيع ان انسى شيئا بلعبة أو رسمة على الحذران .... كما كنت افعل حين كنت صغيرة .... ربما حجم الافكار تغيّر وصار أكبر من النّسيان في حدّ ذاته وحتى أكبر من الذاكرة .... وحتّى أكبر من حيّنا  ، فكيف سأصرف الفائض وانا لازلت عالقة داخل نفسي .... لا أريد أن أستسلم  كي لا أسقط اكثر .. لا أريد للحماقات ان تغادرني لانها الشيء الوحيد الذي يبقيني على قيد الطّفولة التي صرت احتاجها كلّ مرة ... أيعقل أن أحمل محفظتي الوردية مجدّدا متحدّية زمن الحزن في عمر الخريف ... كي أدرك نهم الأشياء في حضن الشّتاء ... وشرور الصّيف ... يراودني الحنين لعلبة الاقلام الملوّنة ورائحة الطباشير ومئزر المعلّمة الأبيض  تراها لا تزال تذكرني ... لا اعتقدها تزال لأنّ المعلّم لا يذكر من تلامذته إلا النجباء وأنا لم أكن كذلك ... أتذكّر يوما كانت تكتب منتصبة على الصّبورة ععود ثقاب أرهقه الشّغب وكانت ترتدي كعبها العالي ودون انتباه منها سقطت من على المصطبة فضحك القسم كاملا .... فعاقبتنا جميعا بالضرب .... ما أجمل ان تعاقب على ضحكك العفوي بالعصا على يديك فيزداد عمر الطّفولة ويأبى أن يرحل عنك ... ما اجمل تلك الأيام لو تعود يوما ....
                                  بقلم : خديجة ادريس