يفقد الفصل ثوبه ، ويفقد الورق لونه ، ويفقد
القلم حبره ، ويفقد الصوت صوته .... هي هكذا أعراض المرض عندي ...فزكام الصمت
أحيانا يشعرنا برغبة في البكا ء .... وإن فقدنا السيطرة على ذواتنا في لحظة ضعف
ستجد كلّ جزء فيك يقول لك ما هذه الدموع .... وستردّ فورا مسكّنات داخلية لزكام
الشّتاء .... وتبتسم وكأنّك تفقد بعضك .... لأنّ الدّاخل لا يمكن أن يتحوّل الى
ابتسامة بسهولة فالثلج أحيانا يرفض أن يذوب .... رغما عنّ الشّمس .... والدّمعة
أيضا ترفض ان تزول رغما عن كلّ شيئ ...... وكأنّ الشّتاء بكامل تفاصيله حاضر في
وجهك وقلبك ..... وكلتا يديك .... ووحدها نظرة الحزن تبقى مشتعلة في عينيك لتدفّئ
بقايا أنفاس تنتظر الفرج من وجع ... يرفض أن ينام ..... تحت وسادتي أعلّق أملي ...
علّ بعضا من رحمات السّماء تنزل عليّ على شكل زخّات صوتية تتغلغل ما بيني وبين
جلدتي .... مضى اللّيل وصوته لم يأت ؟ وكذلك الصباح آه من وجع الصباح .... فالبعض
البعيد محظوظ يشرب ما يغنيني عن قهوة الصباح .... ما أقسى هذه القهوة اليوم باردة
جدا ... ساخنة جدا .... أحرّك سكّرها مرغمة وكأني احرّك عقلي معها .... لا أريد أن
أفكّر أبدا ان هناك من يسعد بصوتك بينما محرومة أنا منه .... وحدها تقتلني تلك
الأرقام المتسارعة في قطع انفاسي فتخرس لهفتي وينقضي ما تبقّى .... وكأنّه فصل
لابد منه ، وجسر لا بدّ لي من عبوره حتّى لو كانت ضفّته الأخرى منزوعة .... تتقطّع
أشياء كثيرة بداخلي وأحس وكأني مقسومة الى اجزاء ... كلّ جزء ينفر من جزء وكأنّها
تتبرّأ جميعها مني ومن ألمها لتلصقه بأيّ شيئ تصادفه .... فيا ويحها ... ويا ويلها
حين تتجمّع كلّ الآلام دفعة واحدة لتخرسني فجاة وكانّي فقدت اللغة ... وشيئا من
الورق .... فقدت الحركة فقدت كلّ شيئ ببساطة لأنّي ....
أحيانا ألجأ إلى تفكيك خصلات شعري ... وكأني ألومها ..واعضّ على مشاعري التي
ترفض الهدوء .... لن أقبل بأيّ انثى تقترب .... عواصف صامتة تبحث عن صوت لتدور حول
نفسها وترمي جميع من تحاول الاقتراب منك .... فراشات الدّهشة تسكنني .... وكأنّي
ابتلعت نصفها لحظة غضب والاخرى فرّت حين فتحت فم قلقي ليعجنني بهدوء ... ولا صوت
غير الصّمت .... لا شيئ يسمع غير اخشاب مبلّلة تحاول أن تحرق نفسها حتّى لا ينتبه
احد لحديث الشتاء بداخلها ..... أيّتها المجنونة .... اوقفي حركة الدّمى التي
تسكنك بحثا عن اللّعب .... أوقفي جميع خيطان الصّوف التي تلفّ أصابعك.... أوقفي
أيّتها الاعين الدّخيلة صهيل فضولك عنّي .... محال ان تهتزّ عروش وجودي ....
ولتجمعي حطام جعجعتك وانصرفي .... فالعاصفة بداخلي تبتسم .... ولن ترضى ان تسدل
ستار ادمعها وتشتّتها فزهور قلبي ليست للفرجة .... ليست لتتناقل عطورها الوشوشات
... لست أبدا سوى انت ولن اكون وبعدك كلّ شيئ يهون ...... عجبت كيف لم يشرق عندي
الصباح وقد مرّت الأيام متوالية ..... فكيف يصبح الوقت وقتا من غير صباحات تهلّل
بفجر عينيك ... كيف سأقلّب فناجيني اليومية من دون صوتك ..... فكلّ من حولي باهت
بعيد ... لا أكاد أراه تراني اصاب بالعمى الكلي من غير صوتك وحضورك .... أيّها
المزهر كقارورة عطر بداخلي .... كبقايا الزّهور الهاربة من فصل الخريف ضمّني
برائحة الشّوق القاتل .... حتّى اذوق القتل الحقيقي على يديك ولن ابالي فالموت
يكون مرّة واحدة ... فقط وانا قد رضيت ... قد رضيت ... قد رضيت .... بالطبع أقبل
إصبعك ويدك وكلّك أقبلك أكيد هكذا تفضحني كل جوارحي المتلهّفة لشمّ رائحتك
المسافرة أقسم أشمّها حقا حقا حقا .... فضع خاتم حبّك في قلبي ووزّع نخب الودّ
القريب .... واقترب إني احتاجك لاتنفّس .... فالهواء ناذر هذه الأيام وأنا سأقاتل
لاجل أن اتنفّسك بهدوء .... أحتاج إليك جدا أيّها المجنون أعد إليّ جميع صباحاتي
... واطلق مساءات بلون عينيك تخذّرني وتعلّقني بك ما تبقّى من عمري .... ادركت
لحظة وضعت عقلي في يميني وقلبي في يساري أني اعشقك مهما اختلفت مواضع عقلي وقلبي
.... لن أرضى بغيرك أقسم أيّها المجنون عد إلي ..... قد يحجزني التفكير بك طويلا
.... وتطلّقني نفسي غيرة .... وتهجرني طيور روحي .... إلا انت تظلّ وفيا لي لأنك
لا تعرف طريقا غيري ....ولا مدينة غير قلبي ولا محيطا غير جسدي ... احترت كيف أوصل
لك كلماتي .... في وقت لم تعد للكلمات معاني .... ولا للأرقام ... الضائعة التي
ترجع إليّ مهزومة خائبة .... فألومها ظلما .... وانا التي أرسلتها كلّ مرة ....
فتفقد طريقها ... ولا تعرف ملجأ غير اصابعي وهذا الهاتف الاخرس الذي يهزّني ... كم
نظرت إليك ... وشكوت إليك .... وانتظرت ردّ منك تحمله لي على اجنحة السرعة حتّى
أستطيع النّوم لكني حين أستيقظ اجد نفسي انظر لنفس المكان الذي توجد فيه ... ولا
رسالة اتت ولا رنّة هتفت ..... فقط تلك الصور التي تسكّن المي .... تبقيني اكبر
قدر على قيد النّوم والكتابة .... زكام هذا الشّتاء ... هكذا هي اعراضه عندي ...
فهل تراني حقا احتاج إلى ابرة مسكّنة لوجع داخلي أجهل مصدر سخونته ؟ هل احتاج
لدواء ؟ لا اعتقدني أرغب في الشّفاء مهما اشتدّ ألمي .... وتزاحمت بصدري عصافير
.... السّعال .... لا اعتقدني حقا أسعل بسبب المرض وكأن لغة قلبي تغيّرت ....
واختزلت جميع الأبجدية ليقول على منبر لساني أح أح أح ... يعني احبك جدا جدا ....
هل وصلتك اعراض مرضي وفهمت لغة قلبي الجديدة التي يجهلها الجميع إلاّ انت فاحّ أحّ
احّ أح كم احبك .......
خديجة ادريس
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق