الجمعة، 22 مارس 2013

ربيع ... قلبي




لست أدري أيّ بداية سيخطّها قلبي قبل قلمي ، لكن ما يكتبه القلب غالبا ما يعبّر عنه القلم ، لكنّ القلم احيانا يكون شرّ سفير لمشاعرنا التي ترفض أن تتحوّل إلى أحرف هزيلة لا تسمن ولا تغني من جوع ... لا أدري أيضا إن كان للصّمت  لغة فبعضه لا يمكن ان يكون سوى استسلام أو هروب من فشل صار يتملّكنا كلّما نظرنا إلى صورنا الحقيقية التي نعجز غالبا عن رؤيتها ... يصعب قول أيّ شيء الآن فالرّبيع قد أقبل بزهوره وعطوره ومعجبيه إلاّ أنا لا زلت اعيش مواسم الشّتاء بداخلي رغم اني كنت اوّل المستقبلين لهذا الرّبيع ... وأوّل المهلّلين .. لا أدري أيضا إن كان شوقي عامل أساسي في تقلّبات الجوّ وحركة السّحب وامتداد الظلّ وحتّى في مسار الرّياح ...فالشّوق أن يبقى نصف قلبك مستيقظا ... والنّصف الآخر مسافرا حيث تسكن بعض القلوب التي لن ينقلب حال حزنك إلاّ بوجودها ، فيصعب أن ترتّب قمصان أحلامك وتشدّ على قبّعة أمنياتك إلا إذا كانت هذه القلوب معلّقة فوق رأسك تصحبك حيث تذهب ... فلا وجهة لك غيرها ولا محطة سواها  ...هكذا علّمتني طاولات مدرستك وطباشير حضورك و دفاتر أيّامك .... لم أستطع أن أمنع نفسي من الخربشة قليلا على جدران ما تبقّى من عمر الأوراق التي جمعتنا يوما وأغرانا بياضها في عبور محطّاتنا التي لم يخلق لها قطار تستجمع فيه الأحلام حقائبها وترتّبها حتّى تصل الى حيث  تشاء .... لم أعرف أنّ السّرير أيضا محطّة عبور لحلم لم يولد بعد وأمنية لم تتخطّ مساحة الوسائد ولم تتعدّ صقف غرفة تملؤها رائحتك التي تغريني بالكتابة اكثر والسّفر أكثر .... أستغرب حقّا كيف لهذا القطار الصّغير المليئ بالأفكار أن يوجعني حدّ السّهر .. فاجد نفسي بين حلم وآخر أبتعد عنك وأصل إليك ... أقترب منك وأسافر إليك ... وكأنّ الزمن صار على مقاسي أطيل عمره حين أشاء وأقصّ بعض سويعاته حين أشعر بالحزن ... اليس غريبا أن انتظر قدوم ربيع اختزلته انت ونثرت عبقه كما تنثر العروس إكليل الورد ليلة زفافها أليس غريبا أن أدمن انتظاره حتّى أنّي قطفت زهوره قبل أن تتفتّح ، وشممت عطوره قبل أن تحطّ رحالها .. فقط لانّه جزء منك أنت ...هي هكذا بعض الأشواق مجنونة في اقتحاماتها لطبيعة الحياة تستعجل قدوم كلّ شيء تاخّر  وكأنّ الانتظار قد نفذ من أكشاك القلوب الباحثة عن بعضها ... لتبدأ رحلتها بحقيبة واحدة لشخصين ...ألا يكفيني فرحا أن كنت أوّل المنتحرين على عشبك الرّبيعي .. وأوّل من أطفأ سجائر الشّتاء المتّقدة على كراسي المحطّات التي لم يغادرها البرد بعد ... لست ادري أيّ شعور ينتابني حين أستسلم لنفسي باحثة عنك وكأنّ الحياة صارت أنت وصرت انت الحياة .. وأيّ انقلاب طارئ لحركة أحلامي قد تعجّل بموت براعم الفرح بداخلي فالموت الحقيقي ليس أن تغادر روحك جسدك ، بل أن تغادرك روح سكنتك طويلا حتّى صارت أنفاسك وعدد نبضات قلبك ...فيتعطّل جهاز استقبال الحياة عندك ويصبح كلّ شيء فيك غير قابل للإصلاح وكأنّ مصيبة ما قد حلّت على رأس أمنياتك وألزمتك سرير النّهاية وأحلامك لا تزال على قيد الحياة . تبحث لها عن متّكأ لتبقى أكبر قدر ممكن على دفاتر الانجاز ... لست أدري كيف استطعت لحدّ الآن أن أصمد في وجه شتاء يرفض ان يغادرني بسرعة وكانّي مجبرة على ارتداء معطفه وحمل مظلّته في يوم ليس للمطر واحتساء القهوة والنّوم باكرا على ضوء أمنيات كثيرة أطفأها الانتظار البارد ... لا أحتمل شتاء من دونك ولا ربيعا من دونك ولا حياة من دونك لأنّ الحياة تغادرني حقا حين تبتعد عنّي قليلا فياليتها الأحرف العاجزة والكلمات الهرمة ترأف بي قليلا وتعلن لعنتها الأبدية لكتابة لم تفلح بعد في الوصول إليك ، فلتمت كلّ العبارات مالم تكن باسمك وليتوقّف الرّبيع في زحفه ما لم تكن أنت زهرته الاولى التي تتفتّح على ربوع قلبي فلا تشعل سجارة شوقي بين أصابعك ولتدعني من تحت كبريت انتظاري أدخّن هواء انفاسك التي تغمرني فرحا كلّما اقتربت من بين أصابعك وأفلتتني فناجين قهوتك التي تحتسيها  عند شرفات مساء يذكّرك بي كلّما مرّت سحابة على شكل اسمي تنذرك بزخّات قدومي .... فياليتها تستيقظ كلّ الطرقات النائمة لتقلّني إليك على شكل هديّة أرهقها الانتظار فانتفضت وأقبلت إليك كما تقبل المدينة على زائريها وتغمرهم فرحة من غير ان تهمس أو تقول شيئا يجعلهم معلّقين من عرقوب أحلامهم مشدودين إليها كما المجانين الذين عبروا جسدها  وأقاموا فيه إلى الأبد
                                                                        بقلم : خديجة ادريس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق