الجمعة، 22 مارس 2013

مصباح .... الامنيات



لم تعد لمناديل الشّوق أعين تترصّد حركة قلبك البعيد عنّي .... فأحاول عبثا مطاردة ملامحك العالقة بمخيّلة قلبي فأجدني أغرق في تفاصيل عطرك ورائحتك الممتدّة من أقاصي البعد إلى حافة دفاتري العطشى لماء صوتك ونخب وجودك . ففي غيابك تفقد الشهيّة شهيّتها وتنسحب كلّ العطور من أفواه الزّهور معلنة عن نهاية موسم البكاء ...وكأنّ معزوفة مفقودة صارت تترنّح من بين أصابع قطار خشبيّ منصوب للزّينة ساهم بشكل كبير في خنق المسافات التي خلقت لتبعدنا وتعيدنا في نفس الوقت إلى المحطّة ذاتها تلك التي جمعتنا يوما كعصفورين يعزفان على اوتار الصّباح ... فعشّ الشّوق لا تهزّه رياح القدر مهما اشتدّت عليه الخطوب ، وحاولت تحطيم بنيانه ليظلّ منتصبا في وجه السّماء باحثا عن حياة تشبه إقبال الرّبيع وإدبار الشّتاء ... هكذا هي لهجة العصافير المجبولة على الشّوق الدائم قويّة الحضور حين يصبح مصيرها في كفّ الرّيح . اعتقدت لوهلة انّي قادرة على الطيران بعيدا عن حزني ..غير أنّي اكتشف أنّي أطير بريشه وجناحيه فكيف لي أن احطّ بعيدا عن مملكة بعدك التي تفقدني القدرة على الحركة .... تلزمني سرير الذاكرة التي لا تنام أبدا .. حتّى الوسادة التي أتّكئ عليها تهمس هي الأخرى في أذني لتنقل إليّ أخبارك وبقايا صوتك الذي غادرني منذ لحظة وكانّ اللحظة صارت سنة أعدّ أشهرها وعمر شوقي المفضوح علّني ألتقطك من خلف زجاج الاحلام وأعلّقك كمشجب فوق رأسي حتّى تعود إليّ عصافيري التي اطلقتها بحثا عنك في يوم غائم غابت عنه سحب السّماء ... فأسترجع على مهل أنفاسي التي تعثّرت حين ألزمني الشّوق فراش المرض وأفقدني صوتي وأناقة حرفي .... كلّ الأشياء من حولي تغادرني إلاّ أنت تظل بقربي كمظلّة تقيني مطر السّماء ... أحيانا تتسلّل بعض الأفكار المجنونة إلى عقلي فانفخها كفقاعة مشاكسة لتذهب بعيدا عنّي فيكفيني جنونا أن أحسب عدد المرّات التي ابتسمت فيها ، وعدد المحطّات التي مررت بها ، وعدد فناجين القهوة التي احتسيتها ، وعدد الواجهات التي تفرّجت عليها ، وعدد البشر الذين مرّا من حولك إلاّ انا أراقبك من بعيد بعين قلبي وأبادلك ابتسامتي وكأنّي أرسلها لك في برقية عاجلة على أجنحة العصافير وأختمها بختم خاص أوّل حروفه استعجل بقدومك قبل أن تنفذ أنفاس انتظاري وأصبح ضحيّة البعد اللّعين في زمن لم يعد يعترف بالمسافات ولا الرّسائل التي يحملها الحمام فينقضي عمرك وانت تنتظر وصول حمامة تدقّ نافذتك ساعة مساء أو ربما تفقد طريقها وتتعثّر في الهواء وربما تخطئ العنوان .... صرت أختنق كلّما تذكّرت أنّي مجبرة على الانتظار ولا حلّ لي غير عدّ الأيام ... والساعات التي تمرّ على قلبي مرور فراشة مرهقة أتعبها البحث ...لن تكون لي نهاية كنهاية الحمامة المفقودة ... أو الفراشة الموؤودة ... لن أرضى لنفسي بنهاية إلاّ على يديك .. لأنّي أدركت أنّك تشبه الحياة تماما في كلّ تفاصيلها ... وأنا سأنتظر هذه الحياة  التي جاءتني بوجه الربيع تنذرني بساعة جنون سأعيشها حين أجد مصباح الامنيات المعلّق فوق رأسك ... لا تقلق لن أطلب سوى امنية واحدة فقط هي أنت ولا أعتقدك سترفض طلبي مادام المصباح فوق رأسك و أنت رهن أوامره ... فاستعجل بحضورك من فضلك لأنّي لم اعد اطيق محيط دفاتري ولا طرقات مدينتي .. ولا أبواب حديقتي مادامت كلّها تفتقد وتغنّي لك كلّ يوم على طريقتها في مناداتك ... أفلا تسمع أنينها .. فالمدينة تبكيك شوقا ... وتشهر في وجه ساكنيها  مناديل الحداد المؤقّت ريثما تطلّ انت في هيئة عصفور مشتاق أتعبه الهجر الطّويل .... وأقبل حاملا نداءات البهجة على عروش هذا الانتظار .... أفلا تبقى قليلا حتّى أكتبك بداية ليست لها نهاية إلا على أطراف أصابع صارت تكفر بجميع الكتب إلا كتاب حضورك ... الذي صرت مواضبة عليه ... وعلى جميع صلواته حتّى تصبح حقيقة وليس مجرد حلم أدخله شوقي عنوة وأسكنته غرفتي رغما عن كلّ شيء 
                                                     بقلم : خديجة ادريس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق